الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, ومبارك شهر رمضان الكريم
فمن فضائل هذه الأمة أن الله تعالى جعل لها مواسم للطاعات والأعمال الصالحات, ليتفضل عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران, ومن هذه المواسم شهر رمضان, ومن أعظم فضائل شهر رمضان اشتماله على ليلة القدر التي باركها الله وشرفها على غيرها من الليالي، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].
قال الشيخ ابن عثيمين: "وفي هذه السورة فضائل متعددة لليلة القدر:
الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن، الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2].
الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تنزل فيه, وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
الفضيلة الخامسة: أنها سلام؛ لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب.
الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة".
- ومن فضائل ليلة القدر: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه). فقوله: «إيمانًا واحتسابًا» يعني إيمانًا بالله, وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها, واحتسابًا للأجر وطلب الثواب.
- وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» (متفق عليه).
- وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» (رواه البخاري).
- وهي في السبع الأواخر أقرب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر, فإن ضعف أحدكم أو عجز, فلا يُغلبن على السبع البواقي» (رواه مسلم).
ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام, بل تتنقل, فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلاً, وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين, تبعًا لمشيئة الله وحكمته, ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في تاسعة تبقى, وفي سابعة تبقى, وفي خامسة تبقى» (رواه البخاري).
وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمةً بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء, فيزدادوا قربة من الله وثوابًا, وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا؛ ليتبين بذلك من كان جادًّا في طلبها حريصًا عليها ممّن كان كسلان متهاونًا" [مجالس شهر رمضان].
فأين المشمرون لهذه الأجور والأرباح؟
أين الراغبون في الهدى والفلاح؟
أين الخاطبون للحور الملاح؟